سورة هود - تفسير تفسير التستري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (23)}
قوله تعالى: {وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ} [23] أي خشعت قلوبهم إلى ربهم، وهو الخشية، فالخشوع ظاهر والخشية سر، كما قال الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم: «لو خشع قلبه لخشعت جوارحه». فقد حكي أن موسى صلوات اللّه عليه قص في بني إسرائيل، فمزق واحد منهم قميصه، فأوحى اللّه تعالى إلى موسى أن قل له: مزق لي قلبك ولا تمزق لي ثيابك.


{حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (40)}
قوله تعالى: {وَفارَ التَّنُّورُ} [40] قال: كان تنورا من حجارة، وهو تنور آدم صار لنوح قد جعل اللّه فوران الماء منه علامة عذابه، وجعل ينبوع عيون قلب محمد صلّى اللّه عليه وسلّم بأنوار العلوم رحمة لأمته، إذ أكرمه اللّه تعالى بهذه الكرامة، فنور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من نوره، ونور الملكوت من نوره، ونور الدنيا والآخرة من نوره، فمن أراد المحبة حقيقة فليتبعه، قال اللّه تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه وسلّم: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] فجعل المحبة في اتباعه، وجعل جزاء اتباعه محبته لعباده، وهي أعلى الكرامة.
وقد حكي عن أبي موسى الأشعري قال: بينما نحن عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذ أقبل بنا حتى نصبنا وجهه كأنه يريد أن يخبرنا، ثم سجد وسجدنا معه في أول النهار، حتى كان نحو نصف من النهار، حتى وجد بعضنا طعم التراب في أنفه، حتى قال بعضنا لبعض: قد مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثم رفع رأسه فقال: اللّه أكبر. فقلنا: اللّه أكبر. فقال له قائل: يا رسول اللّه، لقد ظننا أنك مت، ولو كان ذلك ما بالينا أن تقع السماء على الأرض. فقال: أتاني حبيبي جبريل صلوات اللّه عليه، فقال لي: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام، ويخيرك بين أن يدخل ثلث أمتك الجنة، وبين الشفاعة، فلما طمعت في الثلث اخترت الشفاعة، فارتفع ونصبتكم وجهي أريد أن أخبركم، فأتاني فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام، ويخيرك بين أن يدخل ثلثي أمتك الجنة، وبين الشفاعة، فلما طمعت في الثلثين اخترت الشفاعة، فارتفع ونصبتكم وجهي أريد أن أخبركم، ثم أتاني فقال لي: يا محمد، إن ربك قد شفعك في الثلثين، ولم يجبك في الثلث، فسجدت شكرا للّه تعالى فيما أعطاني.
وقال سهل: انتهت همم العارفين إلى الحجب، فوقفت مطرقة، فأذن لها بالدخول، فدخلت فسلمت، فخلع عليها خلع التأييد، وكتب لها من الرقع براءات، وأن همم الأنبياء صلوات اللّه عليهم جالت حول العرش، فألبست الأنوار، ورفع منها الأقدار، واتصلت بالجبار فأفنى حظوظها، وأسقط مرادها، وجعلها متصرفة به له. وقال: آخر درجات الصديقين أول أحوال للأنبياء صلوات اللّه عليهم، وإن صلّى اللّه عليه وسلّم عبد اللّه تعالى بجميع أحوال الأنبياء، وليس في الجنة ورقة من أوراق الأشجار إلا ومكتوب عليها محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، به ابتدأ الأشياء وبه ختمها، فسماه خاتم النبيين.


{إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75)}
قوله تعالى: {إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [75] قال: إن اللّه تعالى أشرفه على حركة النفس الطبيعية وسكونها، ولم يشرفه على علمه، لأنه ممحو عنه أو مثبت عليه، لئلا يسقط الخوف والرجاء عن نفسه، فكان إذا ذكره تأوه منه وسكت عن مسألة علم الخاتمة إذ لم يكن له مع اللّه عزّ وجلّ اختيار. ثم قال سهل: إن الخوف رجل وإن الرجاء أنثى، ولو قسم ذرة من خوف الخائفين على أهل الأرض لسعدوا بذلك. فقيل له: فكم يكون مع الخائفين هكذا؟ فقال: مثل الجبل الجبل.

1 | 2 | 3 | 4